شبكات فساد عميقة في قطاع الطاقة ونهب ممنهج للثروات الوطنية

تونس – في تطور قضائي لافت، حققت الدولة التونسية انتصارًا هامًا في نزاع دولي ضد شركة طاقة أجنبية كانت تطالب بتعويضات بمليارات الدينارات، وهو ما سلط الضوء مجددًا على ملف الفساد الشائك ونهب الثروات الوطنية، خاصة في قطاعي النفط والغاز، الذي وصفه ضيوف البرنامج بأنه “أحد أكبر بؤر الفساد منذ 60 عامًا”.
افتتح الإعلامي ومقدم البرنامج، محمد البوزيدي، النقاش بانتقاد حاد للمسؤولين الفاسدين والوزراء الذين “بشرونا بأنهم تركوا رواتب بـ30 ألف يورو في فرنسا لخدمة تونس، ثم تركونا غارقين في قضايا تحكيم دولية تكلف خزينة الدولة المليارات”. وأشار البوزيدي إلى أن هذا الانتصار القضائي الأخير يمثل “نقطة ضوء” في معركة تونس لاسترجاع حقوقها المنهوبة.
تفاصيل قضية “زينيت” الإيطالية: احتيال بواجهة شركة قيمتها جنيه استرليني واحد
قدم المحلل السياسي معز تفاصيل دقيقة حول القضية، موضحًا أن هيئة تحكيمية دولية أصدرت في 15 جويلية الماضي قرارًا لصالح الدولة التونسية ضد شركة “زينيت” الإيطالية، التي كانت تطالب بتعويضات تصل إلى 2300 مليار مليم تونسي.
الفيديو:
البترول التونسي المسـ ـروق والغازالمنهوب شركات دولية تطالب بألاف المليارات تعويض وتونس تلغي العقود
وكشف معز عن آلية الاحتيال التي اتبعتها الشركة الإيطالية، حيث قامت بالاستيلاء على أسهم شركة صينية كانت تستغل حقل “سيدي الكيلاني” عبر شركة واجهة كندية تُدعى “Canadian North Africa Oil and Gas Limited”، لا يتجاوز رأس مالها جنيهًا استرلينيًا واحدًا فقط. وتساءل: “كيف لشركة برأس مال جنيه واحد أن تستحوذ على حقل نفطي وتطالب الدولة بالسماح لها بالتصدير؟”.
المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية (ETAP) في قلب العاصفة
أجمع المتحدثون على أن هذه العمليات لم تكن لتتم لولا “الفساد المستشري” داخل المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية (ETAP) ووزارة الطاقة. وأشار معز إلى المفارقة الصارخة المتمثلة في إفلاس المؤسسة وتراكم ديونها التي تجاوزت 1500 مليار مليم، في حين أن “جميع موظفيها من الحارس إلى كبار المسؤولين استثروا وأصبحوا من كبار الأثرياء بعد تقاعدهم”.
وأكد أن هذا الملف لم يُفتح بشكل جدي حتى اليوم، وأن وزارة الصناعة ورئاسة الحكومة لم تتخذا الإجراءات اللازمة لمحاسبة المتورطين.
دعوات لفتح ملفات الثروة المشبوهة ومراجعة “مجلة المحروقات”
من جهته، اعتبر الضيف بالبرنامج، بدر الدين القمودي، أن هذا الانتصار ليس سوى “قطرة في بحر”، مشددًا على أن الفساد هيكلي ومنظم داخل أجهزة الدولة. وأضاف: “المكلف العام بنزاعات الدولة كان مكبلاً، واليوم فقط بدأ يتحرر ويتابع الملفات بجدية تحت ضغط إعلامي وسياسي، كما حصل سابقًا في ملف البنك الفرنسي التونسي (BFT)”.
وطالب القمودي بضرورة فتح تحقيق شامل في ثروات كبار الموظفين في الوزارات السيادية، خاصة وزارة الطاقة، قائلاً: “يجب أن نعرف من أين لك هذا؟ أين يدرس أبناؤهم؟ وما هي ممتلكاتهم؟”. وأكد أن هناك مسؤولين “يعملون كعملاء لشركات أجنبية بينما يتقاضون رواتبهم من الدولة التونسية”.
بدوره، أكد الإعلامي محمد البوزيدي أن منظومة نهب الثروات الوطنية مستمرة عبر عقود تمتد حتى عام 2047، مما يرهن مستقبل الأجيال القادمة. وشدد على أن تونس اليوم باتت قادرة على قول “لا” لشركات الطاقة الأجنبية وللتفريط في ثرواتها، بفضل وجود قضاة ومسؤولين شرفاء بدأوا في فتح هذه الملفات الشائكة.
وانتهى النقاش بدعوة صريحة وموحدة إلى:
-
فتح جميع ملفات النفط والغاز ومراجعة العقود المبرمة مع الشركات الأجنبية.
-
تنقيح “مجلة المحروقات” التي وُصفت بأنها “مجلة فساد” صيغت لحماية مصالح الشركات الكبرى على حساب الدولة.
-
إرساء منظومة جديدة ومتكاملة لمحاربة الفساد لا تقتصر على تغيير الأشخاص، بل تشمل تغيير التشريعات والإجراءات والرؤية الاستراتيجية للدولة.