أخبار تونساخبار

بالوثائق تورط رجال أعمال وسياسيين ومديرو بنوك وموظفين كبار في الدولة في نهب المال العام وتهريبه إلى الخارج.

تحقيق صحفي يسلط الضوء على شبكات منظمة لتهريب الأموال، وشركات وهمية تستنزف العملة الصعبة، وتقصير فاضح من مؤسسات الدولة في مواجهة نزيف اقتصادي يهدد حاضر البلاد ومستقبلها.

في حلقة نقاشية ساخنة، تم الكشف عن تفاصيل صادمة حول عمليات مالية مسترابة تتسبب في خسائر تقدر بمليارات الدينارات للدولة التونسية، وسط صمت مريب من البنك المركزي وغياب شبه تام للأجهزة الرقابية. الحلقة التي استضافت عضو مجلس النواب بدر الدين القمودي، والخبير المحاسب حسام بونني، والصحفي معز الحاج منصور، قدمت شهادة حصرية لشخصية غامضة أُطلق عليها اسم “الذئب”، وهو مصدر مجهول الهوية يدعي امتلاكه ملفات ووثائق تدين رجال أعمال وسياسيين وموظفين كبار في الدولة بالتورط في نهب المال العام وتهريبه إلى الخارج.

شركات صرافة وهمية: فخ جديد لابتلاع تحويلات المغتربين

كانت نقطة البداية في هذا الملف الشائك هي شركات الصرافة الوهمية التي انتشرت في العواصم الأوروبية. وفقًا لـ”الذئب”، تمهد هذه الشركات لنشاطها عبر حملات تضليل ممنهجة تستهدف الجالية التونسية بالخارج، حيث يتم ترويج شائعات بأن الدولة ستفرض ضرائب على التحويلات المالية وتفتح تحقيقات حول مصدرها. هذا الخوف يدفع بالمغتربين إلى البحث عن بدائل، وهنا يظهر دور هذه الشركات.

يشرح “الذئب”: “يحضّرون المسرحية بالكامل. ينشرون الخوف، ثم يقدمون الحل. تدفع أموالك بالعملة الصعبة في باريس أو روما، وتتسلم مقابلها بالدينار التونسي نقدًا في تونس عبر وسيط. الدولة لا تستفيد بمليم واحد، والعملة الصعبة تبقى في حسابات بنكية أوروبية”.

الأخطر من ذلك، أن بعض هذه الشركات، التي تأسست في أواخر عام 2023، يُشرف عليها مديرون تونسيون مقيمون في تونس، بينهم أسماء كبيرة ومديرو بنوك، وتعمل دون الحصول على أي ترخيص من البنك المركزي التونسي، في خرق فاضح للقانون.

آليات جهنمية لتهريب الأموال: من الفواتير المزورة إلى العقارات الفاخرة

لم يقتصر الأمر على شركات الصرافة، بل كشف النقاش عن طرق أكثر تعقيدًا لتهريب الأموال، أصبحت شبه مقننة ومعروفة لدى الجميع:

  1. الشركات الوهمية (Patinda): يقوم رجال أعمال وسياسيون بفتح شركات وهمية في أوروبا، لا لشيء سوى لفتح حسابات بنكية يمكنهم من خلالها استقبال الأموال المهربة وشراء عقارات فاخرة. يقول “الذئب”: “طبيب أو مهندس في تونس يفتح باتيندا في أوروبا. حتى شركات مملوكة للدولة لديها حسابات غامضة في الخارج”.

  2. التلاعب بفواتير التصدير (Sous-facturation): يصدر رجل أعمال تونسي سلعة (كزيت الزيتون مثلاً) بسعر منخفض جدًا (4 يورو للتر) إلى شركة شقيقة يملكها هو نفسه في إسبانيا، والتي تقوم بدورها ببيعها بسعرها الحقيقي (10 يورو)، لتبقى الأرباح بالعملة الصعبة في الخارج.

  3. تجاوز البنوك المحلية: يتم دفع ثمن بضائع مستوردة من الصين أو تركيا بالدينار التونسي داخل تونس لوسطاء، يقومون هم بتسديد قيمتها بالعملة الصعبة في الخارج، مما يحرم خزينة الدولة من العملة الأجنبية.

  4. شراء العقارات الفاخرة: كشف “الذئب” عن امتلاك شخصيات تونسية لعقارات تقدر بملايين اليوروهات في أرقى أحياء باريس مثل “المثلث الذهبي” وشارع “أفنيو مونتاني”، متسائلاً: “كيف لموظف سابق أو رجل أعمال بدأ من الصفر أن يجمع هذه الثروات الطائلة ويهربها دون حسيب أو رقيب؟”.

الفيديو:

تقصير أم تواطؤ؟ دور الأجهزة الرقابية على المحك

وجهت الاتهامات بشكل مباشر إلى مؤسسات الدولة. “الذئب” أكد أنه تعاون مع وزارة المالية والقطب القضائي المالي منذ عام 2023، وقدم لهم ملفات كاملة بالوثائق وأرقام الحسابات البنكية والأملاك لعدد كبير من المتورطين بناءً على تكليف رسمي.

“سلمتُهم كل شيء،” يقول “الذئب” بمرارة، “أسماء وحسابات ووثائق. في البداية كان هناك اهتمام، لكن سرعان ما توقف كل شيء. الملفات لم تُفتح، لم يتم حجز أي ممتلكات في أوروبا، واليوم لم يعودوا يردون على اتصالاتي. لقد نكلوا بي بعد أن استغلوا معلوماتي”.

من جهته، علّق النائب بدر الدين القمودي بأن ما يحدث هو دليل على وجود “حزب الإدارة” أو “الدولة العميقة” التي تتغلغل في مفاصل الدولة وتعمل على حماية هذه المافيات. وأضاف: “ليس معقولاً أن نتعامل مع ملفات بهذا الحجم بعدد محدود من القضاة وبدون أجهزة فنية مساندة. هذا يؤكد وجود تواطؤ لتعطيل المحاسبة”.

كما أشار الصحفي معز الحاج منصور إلى أن القوانين البالية، وعلى رأسها “مجلة الصرف”، أصبحت عائقًا أمام التنمية وشجعت على الفساد، حيث تدفع التعقيدات الإدارية المواطنين إلى السوق السوداء.

نداء عاجل إلى رئاسة الجمهورية: تونس تُنهب فمن ينقذها؟

خلص المتحاورون إلى أن الظاهرة لم تعد سرًا، فالجميع يعلم أن تونس تُنهب بطرق منظمة ومقننة. المعلومات متوفرة، والملفات جاهزة، لكن الإرادة السياسية والجرأة على فتح هذه الملفات علنًا لا تزال غائبة.

ووجه “الذئب” نداءً مباشرًا إلى الرئيس قيس سعيد قائلاً: “حاولت مقابلة الرئيس عدة مرات دون جدوى. أقول له إن الذين يشتغلون على ملفات الفساد لإنقاذ الدولة يتم التنكيل بهم. هذه الملفات يمكنها إعادة المليارات إلى خزينة الدولة، لكن المافيا التي تسيطر على الإدارة أقوى”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى