أخبار تونساخبار

‎إيقاف الطبوبي وإقالة قيادات إتحاد الشغل و ومحاسبتهم قضائيًا وتنظيميًا

قيادي نقابي يكشف المستور: “صفقة مشبوهة” وامتيازات باهظة وراء انقسام الاتحاد العام التونسي للشغل

بوعيشة: قيادة الاتحاد تاجرت بحقوق العمال مقابل البقاء في المناصب، والحل يكمن في رحيلها ومحاسبتها

تونس – يعيش الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية الأعرق والأكبر في البلاد، على وقع صراع داخلي غير مسبوق، يضع المعارضة النقابية في مواجهة مباشرة مع القيادة الحالية برئاسة أمينها العام نور الدين الطبوبي. لفهم أبعاد هذا الصراع، تحدثنا مع السيد الطيب بوعيشة، القيادي البارز في المعارضة النقابية ومنسق “الملتقى النقابي”، ليكشف عن تفاصيل ما وصفها بـ “الصفقة المشبوهة” التي كانت الشرارة التي أشعلت نيران الأزمة الحالية.

جذور الصراع: تياران على طرفي نقيض

يوضح بوعيشة أن الصراع داخل الاتحاد ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لتجاذب تاريخي بين رؤيتين متناقضتين لمستقبل العمل النقابي. “منذ عقود،” يقول بوعيشة، “يوجد توجهان رئيسيان: الأول، تيار نقابي ديمقراطي يسعى لجعل الاتحاد خادمًا حقيقيًا لمصالح الطبقة العاملة وعموم الكادحين، والثاني، تيار بيروقراطي يعمل على تبييض سياسات السلطة وتمريرها داخل الأوساط الشغيلة”.

الفيديو برنامج بلا قناع: عنوان الحلقة:

إيقاف الطبوبي وإقالة قيادات إتحاد الشغل.. تطورات دراماتيكية في الصراع الداخلي لإتحاد الشغل

ويستشهد بأمثلة تاريخية حية، مثل انتفاضة الحوض المنجمي عام 2008، حيث قامت قيادة الاتحاد آنذاك بتجميد النقابيين الذين قادوا الحراك، وصولًا إلى ثورة 2011، حيث اتهم القيادة بالتردد والتململ في مساندة الانتفاضة الشعبية، على عكس القواعد النقابية التي كانت تدفع بقوة نحو الانحياز للشعب.

الفصل 20: القشة التي قصمت ظهر البعير

يرى بوعيشة أن الواجهة الحقيقية للصراع الحالي تفجرت مع قضية تنقيح “الفصل 20” من القانون الأساسي للمنظمة. هذا الفصل، الذي كان يُعرف سابقًا بالفصل 10، يمنع أعضاء المكتب التنفيذي من الترشح لأكثر من دورتين متتاليتين (10 سنوات). وقد تم إقراره بعد نضال مرير من التيار الديمقراطي عام 2002 للحيلولة دون احتكار المناصب القيادية.

“كل القيادات السابقة حاولت تنقيح هذا الفصل وفشلت في مؤتمرات 2011 و2017،” يضيف بوعيشة. “لكن القيادة الحالية، التي صعدت في 2017، جعلت من تنقيحه مهمتها الرئيسية، وهو ما جرّ المنظمة إلى أخطر منعرج في تاريخها”.

“الصفقة المشبوهة”: كيف تم تمرير التنقيح زمن الكورونا؟

وهنا يكشف بوعيشة عن التفاصيل الأكثر إثارة للجدل. فكيف نجحت القيادة الحالية فيما عجزت عنه سابقاتها؟ الجواب، حسب قوله، يكمن في “مقايضة” أو ما أسماه “بيع وشراء” مع السلطة السياسية آنذاك.

“لتمرير التنقيح، احتاجت القيادة إلى أمرين: استرضاء السلطة لتقديم التسهيلات، وضرب القوى الداخلية المعارضة”.

  1. استرضاء السلطة: “لقد ساعدت قيادة الاتحاد في تحميل العمال والمهمشين تبعات الأزمة الاقتصادية الخانقة. مقابل صمتها وتمريرها للسياسات الحكومية، حصلت على الضوء الأخضر لعقد مؤتمرها في سوسة عام 2021، في وقت كانت فيه الاجتماعات لأكثر من ثلاثة أشخاص ممنوعة بسبب جائحة كورونا، وكان حظر التجول مفروضًا على الجميع”. ويؤكد بوعيشة أن السلطات الجهوية رفضت في البداية، قبل أن يتدخل رئيس الحكومة ووزير الصحة آنذاك لمنح الترخيص، في خرق واضح للإجراءات الصحية.

  2. ضرب المعارضة الداخلية: يصف بوعيشة عملية ممنهجة لإفراغ الاتحاد من مناضليه الحقيقيين عبر إقصائهم من المؤتمرات القاعدية. “لقد تم التلاعب بالانخراطات، ونقل أسماء منخرطين من نقابة إلى أخرى لضمان حضور النيابات الموالية، وإقصاء كل صوت معارض بشتى الطرق، بما في ذلك تلفيق الملفات أو التجميد بسبب تدوينة على فيسبوك”.

 

 

 

النتيجة: اتحاد ضعيف وقيادة معزولة

يؤكد بوعيشة أن هذه “الصفقة” أفقدت الاتحاد قوته الضاربة ومصداقيته. “انظروا إلى تحركات الاتحاد الأخيرة،” يقول بمرارة، “مسيرة غرة ماي حضرها بضع عشرات، وتجمع القصبة لم يفضِ إلى أي نتيجة، وقرار الإضراب العام الذي أُعلن في سبتمبر الماضي بقي حبرًا على ورق”. ويضيف: “لقد دخلنا في مرحلة سماها أحد أعضاء المكتب التنفيذي نفسه بـ ‘النضال الصامت’، وهي في الحقيقة تفريط كامل في حقوق العمال”.

لماذا كل هذا التشبث بالمنصب؟ الامتيازات تكشف السر

ولكن ما الذي يدفع قيادة نقابية للمخاطرة بكل شيء من أجل البقاء؟ يجيب بوعيشة بأن الدافع هو الامتيازات الشخصية الباهظة:

  • سيارات فاخرة تقارب قيمتها 150 ألف دينار.

  • منحة وقود تصل إلى 300 لتر شهريًا.

  • منح تفرغ نقابي تتجاوز الألف دينار شهريًا.

  • عقد اجتماعات في فنادق خمس نجوم بتكاليف باهظة، في حين يمتلك الاتحاد مقرًا ضخمًا يحتوي على قاعات ممتازة.

  • استغلال الموقع والعلاقات لقضاء المصالح الشخصية والتمتع بسفريات سنوية مدفوعة التكاليف.

“العمل النقابي عمل تطوعي وشعاره التضحية،” يختم بوعيشة، “لكنه تحول إلى بوابة لخدمة المصالح الخاصة”.

ما هو الحل؟ خارطة طريق للخروج من الأزمة

يقترح الطيب بوعيشة خارطة طريق واضحة لإنقاذ المنظمة:

  1. رحيل القيادة الحالية ومحاسبتها على ما وصفه بـ “الانقلاب” على قوانين المنظمة.

  2. إلغاء تنقيح الفصل 20 وعقد مؤتمر استثنائي على قاعدة النظام الداخلي لعام 2017.

  3. رفع العقوبات عن جميع المناضلين النقابيين الذين تم إقصاؤهم.

  4. إلغاء جميع الامتيازات التي يتمتع بها المسؤولون النقابيون.

  5. تحرير القرار النقابي من مركزية المكتب التنفيذي، ومنح القطاعات استقلالية أكبر في اتخاذ قراراتها.

ويختتم حديثه بمفارقة ساخرة: “لقد برروا تنقيح الفصل 20 بأن رحيلهم سيسبب طامة كبرى للاتحاد. واليوم، وبعد أن بقوا، تبين أن وجودهم هو الطامة الكبرى بحد ذاتها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى