إنذار مناخي خطير يهدد تونس…بسبب ارتفاع حرارة البحر المتوسط .. عواصف شديدة خلال الفترة المقبلة.

لماذا مياه البحر ليست كالمعتاد؟”، “البحر ساخن في كل الأوقات”… تساؤلات باتت تتردد بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي أحاديث التونسيين اليومية، وهي ليست مجرد انطباعات عابرة، بل حقيقة علمية مقلقة يؤكدها الخبراء. فالبحر الأبيض المتوسط، مهد الحضارات، يسجل اليوم درجات حرارة قياسية تنذر بتداعيات وخيمة على البيئة، الاقتصاد، والصحة العامة، محولة إياه من مصدر حياة إلى خطر داهم.
أرقام قياسية وتحذيرات علمية
دق برنامج “كوبرنيكوس” الأوروبي ناقوس الخطر، حيث أظهرت بياناته أن سطح البحر الأبيض المتوسط سجل يوم الأحد الماضي أعلى درجة حرارة له على الإطلاق خلال شهر جوان، بمتوسط بلغ 26.01 درجة مئوية. وأكد الباحث في مركز دراسات الأرصاد الجوية عبر الأقمار الاصطناعية، بول جينالدو، لوكالة الصحافة الفرنسية: “لم نسجل من قبل درجة حرارة يومية بهذا الارتفاع في جوان على كامل حوض المتوسط”.
هذه الحرارة تفوق المعدلات الموسمية الطبيعية (المسجلة بين 1991 و2020) بثلاث درجات، وتصل إلى أربع درجات قبالة السواحل الفرنسية والإسبانية.
في تونس، وصف المهندس بالمعهد الوطني للرصد الجوي، محرز الغنوشي، هذا الارتفاع بأنه “ليس مجرد حالة عابرة، بل إنذار مناخي خطير”. وأشار إلى أن الفارق وصل في فترات من الصيف الماضي إلى خمس درجات مئوية فوق المعدلات الطبيعية، محذراً من انعكاسات مباشرة وعميقة على كافة جوانب الحياة في المنطقة.
من “مهد الحضارات” إلى “مقبرة بحرية”: التداعيات الكارثية
أجمع الخبراء والمختصون الذين تحدثوا في برنامج “ناس الديوان” على أن التداعيات لم تعد مجرد توقعات مستقبلية، بل هي واقع نعيشه اليوم. وكما قال أحد العمداء المتقاعدين من البحرية: “الأمر ليس سيحدث، بل لقد حدث بالفعل”. وتتمثل أبرز المخاطر في:
-
اضطراب النظام البيئي البحري:
-
هجرة الأسماك: يهرب السمك المحلي مثل “البلاميط” و”التن” إلى الأعماق بحثاً عن المياه الباردة، مما يسبب ندرة في الصيد الساحلي ويهدد مصدر رزق الصيادين.
-
غزو الكائنات الدخيلة: ظهور أنواع خطيرة مثل سمكة الأرنب السامة وقناديل البحر السامة التي تزدهر في المياه الدافئة.
-
نفوق الكائنات البحرية: ارتفاع الحرارة يسبب نقص الأكسجين في المياه، مما يؤدي إلى نفوق واسع للأسماك وتدمير الشعاب المرجانية، التي تعتبر أساس التوازن البيئي.
-
تهديد كائن “الكريل”: حذر الخبراء من خطر موت كائن “الكريل”، وهو نوع من القشريات الصغيرة التي تنتج حوالي 40% من أكسجين الكوكب، مما يهدد الحياة على الأرض بأكملها.
-
-
تفاقم الظواهر الجوية المتطرفة:
-
المياه الدافئة تزيد من معدلات التبخر، مما يغذي العواصف الرعدية العنيفة، الأمطار الطوفانية (Flash Floods)، والأعاصير المتوسطية المصغرة (Medicanes). وقد ثبت علمياً أن ارتفاع حرارة البحر كان سبباً رئيسياً في فيضانات درنة في ليبيا عام 2023 والأعاصير التي ضربت إيطاليا وإسبانيا.
-
-
مخاطر صحية واقتصادية:
-
الصحة العامة: المياه الدافئة بيئة مثالية لتكاثر البكتيريا، مما يزيد من خطر انتشار الأمراض المنقولة بالمياه. كما أن ارتفاع الرطوبة يساهم في انتشار الناموس المسبب لأمراض استوائية مثل حمى الضنك.
-
السياحة: نفوق الكائنات البحرية وتلوث المياه يهددان السياحة الساحلية بشكل مباشر، بالإضافة إلى تآكل السواحل الذي يهدد البنية التحتية للموانئ والمنتجعات.
-
آلفيديو:
تونس في قلب الخطر
بحسب المراكز الأوروبية، تعتبر تونس، إلى جانب الجزائر ومصر ولبنان، من أكثر المناطق عرضة للتضرر. وتعود أسباب هذه الهشاشة في تونس إلى طبيعة سواحلها، حيث إن أغلبها ضحل، مثل سواحل قرقنة، مما يجعل مياهها تسخن بسرعة أكبر.
تداعيات في الأسواق: نقص في الأسماك وارتفاع جنوني في الأسعار
لم تعد الأزمة مجرد أرقام وتحذيرات، بل أصبحت واقعاً ملموساً في قوت المواطن اليومي. ففي جولة لسوق الأسماك المركزي بسوسة، أكد مراسل “ديوان أف أم” النقص الملحوظ في أنواع الأسماك الموسمية. فبينما كان من المفترض أن تكون أسماك مثل “البلاميط” و”البنكيتة” متوفرة بكثرة، أصبحت نادرة.
حتى السردين، الذي يعتبر “سمك الشعب”، وصل سعره إلى 8600 مليم، وهو سعر مرتفع جداً لهذا الوقت من العام. أما الأسماك الأخرى فسجلت أسعاراً خيالية، حيث بلغ سعر كيلوغرام القاروص البحري 48.600 دينار والشفريت 28.600 دينار. هذه الأسعار هي الدليل المادي على أن التحذيرات المناخية قد تحولت إلى أزمة اقتصادية تؤثر مباشرة على المستهلك والصياد على حد سواء.
نصائح وتحذيرات للعموم: السباحة بحذر
في ظل هذه الظروف غير المسبوقة، لم تعد السباحة في البحر نشاطاً عفوياً. ويوصي الخبراء باتباع الإرشادات التالية:
-
التحقق من البيانات: قبل التوجه إلى الشاطئ، يجب متابعة بيانات المعهد الوطني للرصد الجوي والنشرات التحذيرية.
-
مراقبة حالة البحر: يجب تجنب السباحة إذا بدا البحر “زيتياً” وهادئاً بشكل مريب من السطح، أو إذا تغير لونه إلى الأحمر أو الأخضر، فهذه قد تكون علامات على تيارات قوية أو أعاصير قادمة.
-
الحذر من الرياح: تجنب السباحة عندما يكون الريح قادماً من البر نحو البحر، لأنه يدفع السباحين إلى الداخل.