الحكم بـ 216 سنة سجن بحق 3 موظفين سابقين من اجل بيع الجنسية وجوازات السفر التونسية لعناصر أجنبية من بينهم إرهابيون مطلوبون للعدالة

تونس – في قضية هزت الرأي العام التونسي وصفت بأنها “خيانة للوطن”، أصدرت الدائرة الجنائية المختصة بقضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس أحكامًا بالسجن تصل في مجموعها إلى 216 سنة بحق ثلاثة موظفين سابقين، بعد إدانتهم في شبكة خطيرة لبيع الجنسية وجوازات السفر التونسية لعناصر أجنبية، من بينهم إرهابيون مطلوبون للعدالة.
القضية، التي تعود أطوارها إلى الفترة ما بين 2012 و2015، لا تكشف فقط عن فساد إداري عميق، بل تفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات حول الأمن القومي، والسيادة الوطنية، وأزمة القيم التي يعيشها المجتمع التونسي.
تفاصيل القضية: شبكة من القنصلية إلى البلدية
خلال حوار تلفزيوني على قناة “الجنوبية”، استعرض الإعلامي محمد بوزيدي وضيوفه أبعاد هذه القضيفة الخطيرة، واصفًا إياها بأنها “بيع للوطن والذمة والشرف”.
الفيديو:
محاكمة أكبر خونة في تاريخ تونس..باعوا الجنسية بحفنة من الدولارات
وقدمت الصحفية حنان حمدي تفاصيل دقيقة للقضية، تحت عنوان لافت: “منح الجنسية التونسية لعناصر إرهابية”. وأوضحت أن الأحكام الصادرة شملت موظفين اثنين سابقين بالقنصلية التونسية في سوريا، بالإضافة إلى موظف سابق ببلدية تونس. وقد صدر حكم بالسجن لمدة 72 عامًا في حق كل من موظفي القنصلية، حيث تورطا في تمكين أجانب من جنسيات فلسطينية وأردنية ولبنانية وسورية من الحصول على وثائق هوية تونسية، بما في ذلك مضامين ولادة وبطاقات تعريف وطنية.
وأكدت حمدي أن هذه الوثائق سهّلت حركة عناصر متورطة في جرائم إرهابية، وهو ما يربط هذه القضية بشكل مباشر بملف “تسفير” الشباب التونسي إلى بؤر التوتر، والذي شهد أحكامًا ثقيلة مماثلة.
أبعاد ما وراء الجريمة: “من أصدر الأمر؟”
تجاوز النقاش مجرد سرد وقائع المحاكمة، ليتعمق في الأسباب والدوافع. وتساءل الإعلامي محمد بوزيدي: “المحاكمة طالت المنفذين، لكن من أمر؟ من سهّل هذا الفعل الشنيع؟”، مشيراً إلى أن القضية أكبر من مجرد ثلاثة موظفين فاسدين. واستحضر مثلاً شعبياً مؤثراً: “من يضيّع ماله، تنساه الأيام، ومن يضيّع وطنه، يبقى كاليتيم بلا والدين”.
من جانبه، طرح المحلل السياسي معز الحاج منصور منظوراً استراتيجياً، معتبراً أن هذه الجرائم لم تكن مجرد فساد مالي، بل جزء من مخطط دولي أوسع. وقال: “عادة ما ترتبط هذه المسائل ببيع الذمم مقابل المال، لكن علينا النظر إلى الخلفية السياسية”. وأشار إلى أن ما يسمى بـ”الربيع العربي”، والذي يصفه بـ”الربيع الخراب”، كان مخططًا أمريكيًا يهدف إلى “تهديم الأنظمة الجمهورية العربية” في العراق، سوريا، ليبيا، ومصر، وتونس، بينما بقيت الأنظمة الملكية في منجاة.
واستشهد باعترافات مسؤول سابق في إدارة ترامب أكد فيها أن الإدارة الأمريكية خططت لهذه الفوضى، مما يعني أن ما حدث في تونس، بما في ذلك تسفير المقاتلين وتزوير الهويات، يندرج ضمن هذا المخطط الدولي.
أزمة هوية وتراجع قيمي: التربة الخصبة للفساد
قدم محلل اجتماعي رؤية سوسيولوجية عميقة، رابطاً بين هذه الجرائم وتراجع منظومة القيم في المجتمع التونسي. وأوضح أن بيع الهوية الوطنية لم يكن ليحدث لولا وجود أزمة هوية حادة وتآكل للقيم الأخلاقية النبيلة.
وقال: “هناك من باع تراث البلاد الأثري، واليوم نرى من يبيع هوية البلاد”. وأضاف أن هذا التراجع يظهر في مظاهر مختلفة، مثل انتشار الغش في الامتحانات، حيث يصبح الطالب الذي يغش اليوم، هو الموظف الذي يبيع ضميره ووطنه غداً مقابل المال.
كما تطرق إلى “أزمة الهوية” التي يعيشها جزء من التونسيين، بما في ذلك أبناء الجالية بالخارج الذين لا يشعرون بالانتماء الكامل سواء في بلدان إقامتهم أو في تونس. هذا الصراع حول الهوية، والذي تجلى في نقاشات حادة حول دور الإسلام في دستور 2014، خلق حالة من الضياع أضعفت الحس الوطني لدى البعض وجعلتهم فريسة سهلة للإغراءات المادية.
وفي الختام، أكد المحلل أن بيع وثيقة رسمية قد يبدو بسيطاً في نظر مرتكبه مقابل مبلغ مالي، لكنه في الحقيقة طعنة في ظهر السيادة الوطنية، وخدمة مباشرة لمخططات الإرهاب التي تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، وهو ما يجعل هذه القضية جرس إنذار للمجتمع بأسره حول ضرورة إعادة بناء منظومته القيمية وترسيخ الهوية الوطنية لمواجهة هذه المخاطر الوجودية.