تبخر 12 ألف مليار بتستر من كبار المسؤولين و المافيا في تونس

تونس – تقف تونس على أعتاب موسم فلاحي استثنائي يبشّر بإنتاج وفير في قطاعات استراتيجية كالحبوب والزيتون والطماطم، وهو ما يمثل بصيص أمل لتحقيق نسبة عالية من الأمن الغذائي الوطني. لكن هذه الأخبار السارة تصطدم بواقع مرير يتمثل في أزمة لوجستية وإدارية حادة، مصحوبة بشح في التمويل، تهدد بضياع هذه “النعمة” وتحويلها إلى نقمة على الفلاحين والاقتصاد الوطني.
في حوار تلفزيوني، دق خبراء ومتابعون للشأن الفلاحي ناقوس الخطر حول هذا التحدي المزدوج، مؤكدين أن البلاد مقبلة على “صابة قياسية” لكنها غير مستعدة لها على كافة الأصعدة.
الحبوب: وفرة في الحقول وأزمة في المخازن
كشف الخبير أنيس خرباش عن أرقام دقيقة ترسم صورة مقلقة لوضع قطاع الحبوب. ففي حين كانت التقديرات الأولية تشير إلى إمكانية حصاد 18 مليون قنطار من الحبوب هذا العام، وهو رقم قياسي لم تشهده البلاد منذ عام 2019، فإن القدرة الفعلية على تجميع المحصول لا تتجاوز 13 إلى 14 مليون قنطار. والأسوأ من ذلك، أن طاقة التخزين المتاحة لدى ديوان الحبوب لا تزيد عن 10 ملايين قنطار.
الفيديو :
أكبر جريـ ـــمة يتستر عليها كبار المسؤولين و المافيـ ـا في تونس..قرابة 12 ألف مليار تتبخر سنويا
هذه الفجوة الهائلة تعني أن ما لا يقل عن 4 إلى 8 ملايين قنطار من القمح والشعير قد تضيع أو، في أفضل الأحوال، “تُخزّن في الهواء الطلق”، كما صرحت المديرة العامة لديوان الحبوب، وهو ما يعرضها للتلف والضياع.
وأضاف خرباش أن المشكلة بدأت حتى قبل الحصاد، حيث تم التخطيط لزراعة 1.2 مليون هكتار، لكن ما تمت زراعته فعلياً لم يتجاوز مليون هكتار فقط. وأرجع هذا النقص البالغ 200 ألف هكتار إلى “تعثرات إدارية” في توفير البذور في الوقت المناسب ومعاناة الفلاحين، بالإضافة إلى عدم استغلال أراضي الدولة التي تم استرجاعها والتي تقدر بنحو 500 ألف هكتار، وبقيت أراضٍ بور.
ووصف مقدم البرنامج الوضع بـ”الجريمة”، مؤكداً أن “ضياع صابة الحبوب جريمة في حق الأمن الغذائي الوطني”، موجهاً نداءً عاجلاً إلى رئيس الجمهورية لـ”فتح الملفات قبل فوات الأوان” ومحاسبة المسؤولين عن هذا التقصير.
الزيتون والطماطم: أزمة تمويل خانقة
لا يقتصر شبح سوء الإدارة على قطاع الحبوب. فمن المتوقع أن تتضاعف صابة زيت الزيتون مقارنة بالعام الماضي لتصل إلى 500 ألف طن. ومع ذلك، لم يتلق الفلاحون بعد منحة التخزين عن الموسم الماضي، مما يضعهم في ضائقة مالية ويجعلهم غير قادرين على الاستعداد للموسم الجديد.
الأمر نفسه، وبشكل أكثر حدة، ينطبق على قطاع الطماطم المعدة للتحويل، حيث من المتوقع أن يرتفع الإنتاج إلى 1.2 مليون طن من مساحة مزروعة تقدر بـ 22 ألف هكتار. لكن معظم وحدات التحويل (المصانع) تعاني من صعوبات مالية خانقة، وأكد الخبير خرباش أن هذه الوحدات تحتاج إلى تمويلات موسمية لا تقل عن 200 مليار دينار، وهو مبلغ لم تتمكن من الحصول عليه بعد بسبب رفض البنوك إقراضها. هذا الشلل المالي يهدد بعدم قدرتها على شراء محصول الفلاحين، الذين قد يضطرون في نهاية المطاف إلى إتلاف طماطمهم في الوديان.
دعوات لحلول جذرية وتدخل عاجل
أمام هذا الواقع، تتعالى الأصوات المطالبة بحلول عاجلة وجذرية. وقد أشار الحوار إلى أن “تونس بلد غني وأن الله قد أنعم عليه بالخير الوفير”، لكن المشكلة تكمن في الإدارة والتمويل.
ووجه مقدم البرنامج نداءً للسلطات بضرورة التحرك الفوري، وطرح فكرة اللجوء إلى المؤسسة العسكرية للمساعدة في عمليات التخزين، في إشارة إلى عجز الهياكل المدنية عن القيام بدورها. كما دعا أجهزة الرقابة إلى “الخروج من مكاتبها” وتفقد المخازن والاستعدادات على الأرض.