موظفين أكبر وأقوى من الوزراء… و امتيازات و تراخيص بناء مخالفة للقانون وقروض ميسرة، تُعطى بشكل خاص “لمن يعلن نفسه أنه ضد قيس سعيد”

تونس – في حلقة نارية من برنامج “بلا قناع”، وجه الإعلامي محمد البوزيدي اتهامات مباشرة وصريحة لما وصفه بـ “الدولة العميقة” و “الإدارة العميقة” داخل مفاصل الدولة التونسية، متهماً إياها بتعطيل عجلة التنمية بشكل متعمد وخلق منظومة مزدوجة تكافئ الفساد وتعاقب المواطنين والمستثمرين الجادين.
استهل البوزيدي حلقته بتأكيد صادم، قائلاً: “فما موظفين متاع الدولة العميقة أكبر وأقوى من الوزراء”. وأوضح أن هؤلاء المسؤولين، الذين وصفهم بـ “الموظفين السامين”، يمثلون عقبة كأداء أمام أي مواطن يسعى لحل مشاكله أو إطلاق مشروع، حيث يتم توجيهه بشكل ساخر إلى رئيس الجمهورية مباشرة بقولهم: “برا لقيس سعيد يحلك… ويحط قدامك كل التعقيدات”.
الفيديو :
قيس سعيد ٱمام أكبر مافيا وأذرعها تسيطر على مفاصل الدولة..الإدارة تتمرد على الرئيس لإسقاطه
تمييز فاضح وامتيازات سياسية
وفقاً لما ورد في البرنامج، تعمل هذه الشبكات البيروقراطية على أساس المحاباة والولاء السياسي. فبينما يواجه المواطن العادي جداراً من التعقيدات، تُمنح “تسهيلات لا يرضى بها الله” لكبار الفاسدين ومن أسماهم “البارونات”. وذهب البوزيدي إلى أبعد من ذلك، زاعماً أن هذه الامتيازات، من تراخيص بناء مخالفة للقانون وقروض ميسرة، تُعطى بشكل خاص “لمن يعلن نفسه أنه ضد قيس سعيد ونظامه”.
وضرب مثالاً صارخاً بالبناء الفوضوي قائلاً: “في سكرة، فار من العدالة يبني أربعة وخمسة طوابق، ولا عين رأت ولا عين شافت”، بينما المواطن البسيط الذي يحاول الامتثال للقانون “عنده ثلاثة طوابق بركة، تحب تهدولو”.
مستثمر شاب في مواجهة الإدارة: قصة إحباط وتكاليف باهظة
لإثبات اتهاماته، استضاف البرنامج مستثمراً شاباً من ولاية القصرين، تحولت قصته إلى رمز للمعاناة مع البيروقراطية. الشاب، الذي سعى لإطلاق مشروع في قطاع زيت الزيتون، كشف كيف أن البنوك رفضت في البداية تمويله بحجة أن القصرين “منطقة حمراء (Zone Rouge)”، وهو تصنيف اعتبره البرنامج إهانة لولاية تُعد من أكبر منتجي زيت الزيتون في البلاد.
بعد تدخّل إعلامي، حصل الشاب على الموافقة المبدئية على القرض، وقام باستيراد معدات من الصين بقيمة تقارب 1.7 مليار دينار تونسي. لكن الكابوس بدأ من جديد عند وصول المعدات إلى الميناء. حيث تفاجأ بقرار من “وكالة النهوض بالصناعة والتجديد (APII)” بسحب منحة الامتياز التي وُعد بها (بقيمة 540 ألف دينار)، والسبب الرسمي هو عدم بدء الإنتاج في الآجال المحددة بتاريخ 31 ديسمبر 2023.
المفارقة المأساوية، كما أوضح الشاب، هي أن التأخير في بدء المشروع كان نتيجة مباشرة للتعطيلات البيروقراطية التي واجهها في البداية. والنتيجة اليوم: ست حاويات من المعدات عالقة في الميناء منذ ستة أشهر، وتتراكم عليها رسوم تخزين يومية بقيمة ألف دينار تونسي، مما أدى إلى خسائر تجاوزت حتى الآن 400 مليون دينار.
وكشف الشاب أنه راسل رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزيرة الصناعة شخصياً، لكن دون جدوى، ليجد نفسه محاصراً بين مطرقة الديون وسندان الإدارة التي يبدو أنها تستخدم القوانين كأداة للتعجيز وليس للتنظيم.
قوانين كـ “أسلحة” وشبكات تعيق التنمية
علق أحد المحللين المشاركين في البرنامج على هذه الحالة قائلاً إن “الإدارة العميقة تستعمل النصوص القانونية لتعطيلك”، مؤكداً أن ما يحدث هو “تعجيز ممنهج” للمستثمرين في المناطق الداخلية. وأضاف أن هذه الإدارات، من وكالة النهوض بالاستثمار الفلاحي (APIA) إلى وكالة النهوض بالصناعة (APII) وغيرها، تعمل في جزر منعزلة، حيث “لا إدارة تعترف بالأخرى”، مما يخلق متاهة بيروقراطية يستحيل الخروج منها.
واختتم البوزيدي الحلقة بتحدٍ مفتوح للسلطات: “أتحداكم بالدليل والبرهان… هذا الأمر راهو موجود في كامل تراب الجمهورية”، تاركاً سؤالاً معلقاً حول قدرة الدولة على تفكيك هذه الشبكات التي وصفها بأنها لا تعطل المشاريع فحسب، بل تقتل أحلام الشباب وتعيق تنمية بلد بأكمله.