مؤسسات عمومية تتحدى رئيس الجمهورية قيس سعيد

في شهادة صادمة ومؤلمة، كشف المواطن علي بن صالح الحرشي، العامل السابق بالوكالة الوطنية للتبغ والوقيد (الريجي) لمدة تقارب 30 عامًا، عن حجم المظلمة التي تعرض لها، والتي انتهت بإحالته على التقاعد بجراية لا تتجاوز 260 دينارًا، كاشفًا في الوقت ذاته عن ملفات فساد ورشوة تتعلق بالترسيم داخل المؤسسة.
من العمل “تحت الحائط” إلى التقاعد المهين
يبدأ السيد علي، القادم من منطقة غار الدماء الحدودية، قصته بمرارة واضحة، حيث قضى 29 عامًا من مسيرته المهنية يعمل “تحت الحائط”، وهو مصطلح يعني العمل بشكل غير رسمي وبدون تغطية اجتماعية أو أي حقوق تذكر. كان يتقاضى أجره بشكل مباشر دون ترسيم أو عقود تضمن له أبسط حقوقه كعامل.
بعد ثورة 2011، تغير وضعه جزئيًا، حيث بدأت الإدارة في إبرام عقود عمل سنوية معه ابتداءً من عام 2019. لكن هذه العقود لم تكن سبيلًا للاستقرار، بل كانت مجرد وسيلة مؤقتة لإبقائه في العمل دون منحه حقه في الترسيم.
الفيديو:
مؤسسات عمومية تتحدى قيس سعيد بابتزاز العمال..الترسيم ب9ملاين تحت الحيط؟خنار فضيع وترافيك لايصدق
المأساة بلغت ذروتها في عام 2023، مع بلوغه سن 62 عامًا. يقول السيد علي: “عوضًا عن تجديد عقدي لمدة عام كالعادة، تم إبرام عقد لمدة ستة أشهر فقط، ثم تم فسخه بشكل مفاجئ، ليجد نفسه مطرودًا من العمل قبل أشهر قليلة من تقاعده القانوني”.
فساد ورشاوى بالملايين مقابل الترسيم
الجانب الأكثر خطورة في شهادة الحرشي هو كشفه عن عمليات فساد ممنهجة داخل الوكالة، حيث أكد بغضب شديد: “والله الترسيم كان بالفلوس!”. وأضاف أن الحصول على وظيفة دائمة في المؤسسة لم يكن يخضع للكفاءة أو الأقدمية، بل كان ثمنه يُدفع نقدًا للمسؤولين.
وقدم أمثلة صادمة، مشيرًا إلى أن “التعريفة” كانت تتراوح بين 5 و 7 و 9 ملايين دينار تونسي. وذكر حالات محددة، منها:
-
عامل دفع 3 ملايين دينار لأحد المديرين (تم حجب اسمه) مقابل ترسيمه.
-
زميل له من ذوي الاحتياجات الخاصة، يجلس على كرسي متحرك، اضطر لدفع 9 ملايين دينار للحصول على الترسيم، دفع منها 7 ملايين لمسؤول ولا يزال مدينًا بمليونين.
-
شخص آخر تم نقله من مقر عمله وترسيمه في فرع نفزة بعد دفعه رشوة.
ويضيف الحرشي أن العمال الذين لم يكن لديهم المال لدفع الرشاوى “بقوا خائفين” ومصيرهم معلقًا، بينما كان أصحاب الأموال يضمنون مستقبلهم الوظيفي.
جراية بـ 260 دينارًا بعد 30 عامًا من الكدح
نتيجة لسنوات طويلة من العمل غير الرسمي وعدم تصريح الإدارة بكامل مستحقاته لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وجد السيد علي نفسه متقاعدًا بجراية زهيدة تبلغ 260 دينارًا فقط.
يقول بحسرة: “بعد 30 سنة من الخدمة، أجد نفسي بهذا المبلغ الذي لا يكفي حتى لسداد فواتير الماء والكهرباء. فاتورة الماء وحدها بلغت 105 دنانير. كيف يمكن لعائلة أن تعيش بهذا المبلغ؟”
صرخة إلى رئيس الجمهورية والقضاء
أمام هذا الإجحاف، لم يجد السيد علي ملجأً سوى القضاء، حيث رفع قضية في المحكمة الإدارية ضد المؤسسة للمطالبة بحقوقه في الأشهر التي طُرد فيها وبكامل مستحقاته، لكنه لم يتلق ردًا حتى الآن.
ووجه السيد علي صرخة استغاثة عبر “بلا قناع” إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد، قائلًا بلهجة يائسة: “لم أعد أجد نفسي في تونس. إذا لم أحصل على حقي، سآخذ زوجتي وبناتي وأغادر البلاد. نحن نعيش في ظلم كبير”.