معلومات عن ادارات عمومية و وزارات تتخلى عن مشاريع بالمليارات لفائدة كبار الفسادين

في نقاش تلفزيوني حاد، فُتح ملف شائك يكشف عن واقع مقلق لإدارة المال العام في تونس، حيث وُجهت اتهامات مباشرة للدولة بإهدار مئات المليارات في مشاريع فلاحية، خاصة في المناطق السقوية، تنتهي إلى “خراب” بسبب إسنادها إلى “جمعيات مفلسة” تفتقر للكفاءة والرقابة. وقد أثار الإعلامي محمد البوزيدي وضيوفه القضية، مطالبين بتدخل عاجل من رئيس الجمهورية والجهات المعنية لوقف هذا النزيف المالي ومحاسبة المسؤولين.
الدولة تمول الخراب: استثمارات تتحول إلى أطلال
استهل الإعلامي محمد البوزيدي حديثه واصفًا القضية بأنها “غريبة عجيبة”، حيث قال: “الدولة التونسية تخصص مئات المليارات للمشاريع الفلاحية، خاصة تخصيص مساحات سقوية، راني نحكي على مئات المليارات. بعد الإنجاز والإنهاء، هذه المشاريع من المفترض أنها تدخل في الإنتاج وتزود الأسواق التونسية بالخضر والغلال”.
الفيديو:
نقاش سااخن مع البوزيدي بسبب معلومات عن ادارات تتخلى عن مشاريع بالمليارات لفائدة المافيا وكبار الفساد
لكن الواقع، بحسب البوزيدي، صادم ومخالف للتوقعات. فقد وجه نداءً مباشرًا إلى رئيس الجمهورية ووزير الفلاحة ورئيس مجلس النواب قائلاً: “راهي المشاريع هذيا تُسند إلى جمعيات مفلسة… مكونة أحيانًا من بعض الأطراف اللي تاخذ المشاريع هذيا باش تسترزق، باش تسرق فلوس الدولة، باش تحولها من مشاريع رابحة إلى خرابة”. وأضاف بأسف: “وكم من جمعية مائية في بلادنا خذات مشروع بـ100 مليار و200 مليار و300 مليار وفلسوها في ظرف عام”.
وتساءل البوزيدي عن دور وزارة الفلاحة في هذا الإهدار الممنهج، قائلاً: “لماذا وزارة الفلاحة تقوم بالتنازل على هذه المشاريع لمن هب ودب، دون التثبت في الجمعيات اللي قاعدة تاخو في المشاريع هذيا؟”.
منظومة قانونية معطوبة وغياب الكفاءات
من جانبه، وضع الخبير الدكتور بلقاسم بن عبد الله يده على عمق المشكلة، موضحًا أن الإطار القانوني لهذه الهياكل يعود إلى قانون 1999 وتعديلاته في 2005. وصحح المفهوم قائلاً: “هذه معاش اسمها جمعيات مائية، اسمها مجامع التنمية الفلاحية والصيد البحري”.
وأكد د. بن عبد الله أن هذه المشاريع الضخمة تُسند لهيئات تطوعية تفتقر للخبرة، في حين أن الكفاءات الحقيقية من مهندسين وفنيين “قاعدين بطالة”. وأضاف: “القانون ينص على وجوب وجود كفاءات ومدير لا علاقة له بالمستفيدين لضمان حسن التصرف، لكن الواقع أن الدولة أعطت مشاريع كبرى لأناس غير قادرين على تسييرها، والنتيجة أن كلها فلست”.
إهدار ممنهج وفشل في إدارة الثروة
المحلل يوسف طرشون وسّع دائرة النقاش، معتبرًا أن المشكلة ليست في نقص الثروة بل في سوء إدارتها. قال طرشون: “أنا أعتقد أن الدولة لابد أن تُبنى على تصورات واستراتيجيات واضحة. الثروة موجودة، ولكن اللي قاعدين نشوفوا فيه هو الهدر”. وأضاف أن “تونس مشكلتها ليست في الثروة، بل في التصرف في الثروة وإدارتها”.
وانتقد طرشون غياب الرقابة والمحاسبة، مشيرًا إلى أن الدولة لا يجب أن تكون “جمعية خيرية” تمنح الأموال دون تقييم ومتابعة. وأكد أن الفساد أصبح “منظومة” تنخر كل القطاعات، مستفيدًا من “القصور التشريعي” وغياب آليات ردع فعالة.
من مسالك التوزيع إلى مسالك التجويع
الصحفية حذامي عڨاس ربطت بين هذا الفشل وارتفاع الأسعار، واصفة “مسالك التوزيع” بـ “مسالك التجويع”، وهو مصطلح استخدمه رئيس الجمهورية. وأشارت إلى أن الحرب على الاحتكار شهدت تطورًا، حيث “مررنا الآن من مرحلة الخطية إلى مرحلة السجن”، مستشهدة بإصدار 11 بطاقة إيداع بالسجن بحق تجار جملة ووكلاء بيع في بن عروس بتهم المضاربة.
لكنها انتقدت الفشل العام للسياسات الحكومية، قائلة: “فما مجموعة من الفشلة، مش مسؤولين فقط، بل وزراء في هذه الحكومة… فما سياسة فاشلة لبرشة وزارات في بلادنا”. وأكدت أن فريق البرنامج قدم ملفات موثقة بالأدلة للنيابة العمومية دون أن يرى تحركًا جديًا، في حين أن المسؤولين الفاشلين “ينعمون بالرفاهة داخل مكاتبهم والمكيفات” دون محاسبة.