أخبار تونساخبار

منصات بترولية عائمة لاتعرفها الدولة تحت تصرف المافيات وسرقة البترول تحت اشراف وزراء

تونس – “هل لدينا بترول أم لا؟” سؤال بسيط في ظاهره، لكنه يحمل في طياته مرارة سنوات من التساؤلات والقلق الشعبي في تونس. ففي الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمات اقتصادية متلاحقة، وتضطر فيه الدولة لشراء الغاز بأسعار مرتفعة، تطفو على السطح شهادات صادمة وملفات خطيرة تكشف عن شبكة فساد منظمة تستنزف الثروات الباطنية للبلاد، وسط تواطؤ وتستر من جهات سياسية وإدارية على أعلى مستوى.

هذه الحقائق المروعة كشف عنها المهندس المختص في الأنشطة البترولية، شكيب الخليفي، الذي عمل سابقًا في شركات طاقة كبرى، وفجّر قنابل من العيار الثقيل خلال حوارات إعلامية متفرقة، أبرزها مع الإعلامي محمد البوزيدي، مؤكدًا أن تونس تزخر بالثروات، لكنها تتعرض لعملية نهب ممنهجة.

تلاعب بالأرقام وتدمير للآبار: كيف تُسرق الثروة؟

يبدأ الخليفي شهادته بالأرقام الكارثية. فحقل “البرمة”، أحد أكبر الحقول التونسية، تراجعت طاقته الإنتاجية من 85 ألف برميل يوميًا في فترة الثمانينيات والتسعينيات إلى 4 آلاف برميل فقط اليوم. وكذلك حقل “عشتروت” الذي استُنزف مخزونه الرسمي بالكامل. يطرح الخليفي سؤالًا محوريًا: “أين ذهبت بقية الآبار؟”، ليكشف عن آلية التلاعب المروعة: “يتم التلاعب بتقارير الإنتاج اليومية. تأتي التعليمات لرئيس الحقل: اليوم أنتجنا 1400 برميل، لكن سجل 900 فقط، واترك 500 على جنب. وفي نهاية الشهر، يتم تسوية الأرقام. هكذا تُسرق المليارات.”

الفيديو:

أسرار تزلزل..منصات بترولية عائمة لاتعرفها الدولة تحت تصرف المافيات وسرقة البترول تحت اشراف وزراء !!

الأخطر من ذلك، يكشف الخليفي أن بعض الشركات الأجنبية، وعلى رأسها شركة إيني الإيطالية، “أجرمت في حق الشعب التونسي” عبر تدبير إضرابات مفتعلة أدت إلى تدمير متعمد لعدد كبير من الآبار. والهدف؟ التخلص من كلفة إنتاجها وإخراجها من دائرة الإنتاج نهائيًا، كل ذلك بمساعدة “مسؤولين نافذين صلب الشركة تحصلوا على منافع مادية وعينية.”

صفقات مشبوهة ورخص تُباع في الكواليس

تتجاوز القضية مجرد التلاعب بالأرقام لتصل إلى فساد سياسي وإداري متجذر. يصف الصحفي معز بالحاج منصور ما يحدث بأنه “عملية اغتيال اقتصادي لأمة”، حيث يتم “شراء المسؤولين من أجل تدمير بلدانهم”.

ويشير الخليفي إلى أن الفساد يبدأ من أعلى هرم السلطة. فقد تم تجديد رخصة استغلال لشركة “إيني” في حقل “برج الخضراء” بعد تدخلات سياسية على أعلى مستوى، حيث تم الضغط على وزير الطاقة آنذاك، خالد قدور، الذي كان يعارض التجديد، من قبل رئيس الحكومة وقتها يوسف الشاهد. كما يتهم الخليفي رئيس لجنة الطاقة في البرلمان السابق، عامر العريض، بالضلوع في تسهيل هذه الصفقات عبر لقاءات مشبوهة.

ملف آخر لا يقل خطورة هو حقل “فواياجور أناداركو”، الذي تبلغ مساحته 375 كيلومترًا مربعًا جنوب تطاوين. ووفقًا لشهادات، فقد استولت عليه عائلة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وشقيقه سنة 2011، ليتم بيعه لاحقًا لشركة أجنبية دون أن ترى الدولة التونسية “مليمًا واحدًا”.

من الرقيب إلى الشريك: اختراق مؤسسات الدولة

كيف يتم كل هذا دون رقابة؟ الإجابة تكمن، حسب المتحدثين، في اختراق مؤسسة الدولة المكلفة بحماية مصالح تونس، وهي المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية (ETAP). يصفها الخليفي بـ”الخلية السرطانية”، موضحًا أن موظفي الدولة المكلفين بالرقابة على الإنتاج في الحقول يتم إغراؤهم و”شراؤهم” من قبل الشركات الأجنبية.

“الموظف الذي يمثل الدولة في الحقل، يأكل الكروفيت ويسكن في فيلا 5 نجوم، وراتبه مليونان، تأتي الشركة الأجنبية وتمنحه منحة بمليونين ونصف… فيبيع البلاد”. يضيف الخليفي أن هؤلاء المراقبين، الذين من المفترض أنهم “ذئاب تحرس الأغنام”، يتحولون إلى شركاء في الجريمة، حيث يتم إدماجهم لاحقًا في الشركات الأجنبية برواتب خيالية تصل إلى 10 ملايين.

دعوة عاجلة للرئيس: ملف أمن قومي

أمام هذا الكم الهائل من الفساد الممنهج، والذي يصفه البعض بـ”الخيانة العظمى”، تتجه الأنظار إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد. يقول الصحفي معز بالحاج منصور: “نطالب السيد رئيس الجمهورية بفتح هذا الملف الذي تسترت عنه كل الحكومات السابقة وهيئة مكافحة الفساد. هذا الملف هو ملف أمن قومي”. ويضيف: “الشركات الأجنبية العملاقة لا تحتاج نائبًا في البرلمان لتمرير رخصة، بل تعيّن وزراءها ورؤساء حكوماتها”.

من جهته، يؤكد شكيب الخليفي أن مصيره كان الطرد من عمله بعد أن قدم شكوى لوكيل الجمهورية في مارس 2019 ضد “سوء التصرف المالي والإداري واستغلال النفوذ” في شركة إيني. يقول بحسرة: “بلغت هيئة الفساد، لكن بعد أربعة أشهر تم طردي… بلادنا فرّغوها”.

تبقى الأسئلة معلقة: إلى متى سيبقى ملف الطاقة والثروات الوطنية صندوقًا أسود مغلقًا؟ وهل ستكون لدى السلطات الحالية الشجاعة لفتح هذه الملفات الشائكة ومحاسبة كل من تورط في نهب قوت التونسيين، أم ستبقى الحقيقة حبيسة الكواليس والأرقام المغلوطة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى