أسطول حافلات جديد في تونس يكشف عن شبكة من الفساد والإهمال في قطاع النقل العمومي

تونس – رغم وصول المئات من الحافلات الجديدة التي كان من المفترض أن تبشر بعهد جديد من الكفاءة والراحة في قطاع النقل العمومي التونسي، كشف تقرير إعلامي عن واقع مرير من الفساد والإهمال والتسيب المتعمد الذي يهدد بإفشال جهود الدولة الإصلاحية.
في الوقت الذي تحتفي فيه الأوساط الحكومية بإبرام صفقات كبرى لتجديد أسطول النقل، بما في ذلك وصول 300 حافلة جديدة مخصصة لشركة نقل تونس (TRANSTU)، سلط برنامج تلفزيوني الضوء على الجانب المظلم للقطاع، حيث تتضافر عوامل الفساد الإداري، وغياب المحاسبة، وتواطؤ بعض الأطراف لتعطيل أي تحسن ملموس يخدم المواطن.
وعود بالإصلاح في مواجهة واقع مرير
استهل التقرير بالإشارة إلى الجهود التي بذلها الرئيس قيس سعيد لتحسين خدمات النقل الحضري، وهي جهود كان المواطنون يأملون أن تتكلل بتحسن ملحوظ في رحلاتهم اليومية. وبالفعل، شهدت بعض الخطوط تحسناً نسبياً في تنظيم الرحلات. لكن سرعان ما تبدد هذا الأمل أمام مشاهد الفوضى والاكتظاظ التي لا تزال السمة الغالبة في معظم المحطات، والتي عرضها التقرير كمشاهد متناقضة مع الصور اللامعة للحافلات الجديدة وهي تصل إلى المستودعات ليلاً.
الفيديو:
الغضـ ـب الشعبي يشتـ ـعل بسبب كاارثة حقيقية داخل دبوات النقل..الرئيس يفتح أبواب الجحيم على العصابات!
“حرب ضروس” داخل القطاع
وصف مقدم البرنامج الوضع بأنه “حرب ضروس” تدور رحاها بين الدولة التي تسعى للإصلاح، و”عصابات” تعمل على تخريب الممتلكات العامة وسرقة المال العام. وأشار إلى وجود “معطيات مسكوت عنها وملفات لا بد من فتحها”، ملمحاً إلى عمليات فساد ممنهجة تهدف إلى إبقاء القطاع في حالة من الخراب ليستفيد منها البعض.
هذه الاتهامات وجدت صدى لها في مقابلة ميدانية مع نائب الرئيس المدير العام لشركة نقل تونس، الذي اعترف بوجود أزمة ثقة اهتزت بين المواطن والشركة، مؤكداً أن الإدارة تسعى جاهدة لاستعادة هذه الثقة.
قضايا شائكة: موظفون أشباح وسائقون يعملون لحسابهم الخاص
كشف النقاش داخل الاستوديو عن تفاصيل أكثر خطورة، حيث تم تسليط الضوء على عدة ظواهر مقلقة داخل الشركة:
-
السائقون الاحتياطيون (Recommandé): هناك قائمة من السائقين المعينين بـ”توصيات” لا يقومون بعملهم الفعلي، ومع ذلك يتمتعون بكافة الامتيازات المالية، بما في ذلك الساعات الإضافية الليلية، بينما تظل الحافلات الجديدة متوقفة في المستودعات لعدم وجود من يقودها.
-
العمل المزدوج: اتهم أحد المتدخلين بعض سائقي الحافلات بامتلاك سيارات أجرة “تاكسي” يعملون عليها لحسابهم الخاص، مكتفين بتسجيل حضورهم في الشركة أو إتمام رحلة واحدة ثم ترك الحافلة والتوجه لعملهم الثاني.
-
شهادات طبية مشبوهة: أشارت إحدى المتحدثات إلى وجود أكثر من 500 موظف في شركة نقل تونس يتمتعون بعطل مرضية طويلة الأمد بشهادات طبية، مما يثير شكوكاً حول مدى صحتها، خاصة أنهم يواصلون تقاضي رواتبهم وامتيازاتهم.
محطات النقل: من خدمة المواطن إلى وكر للمنحرفين
لم تقتصر المشكلة على الجانب الإداري والتشغيلي، بل امتدت لتشمل الوضع الأمني المتردي في محطات النقل. عرض التقرير صوراً صادمة لمحطات تحولت إلى أماكن خطرة يرتادها متعاطو المخدرات والمنحرفون في وضح النهار، حيث ظهرت حقن ملقاة على الأرض وأشخاص يتعاطون المخدرات علناً، مما يجعل هذه الفضاءات العامة مصدر خوف للمسافرين، خاصة النساء والأطفال.
غياب المحاسبة يعمق الأزمة
أجمع المتحدثون على أن غياب المحاسبة هو السبب الرئيسي وراء تفشي هذه الظواهر. فعلى الرغم من المجهودات المبذولة لتحديث الأسطول، يبدو أن هناك إرادة خفية لتعطيل هذه الإصلاحات. وتساءل مقدم البرنامج عن سبب عدم فتح تحقيق جدي في حوادث تخريب الحافلات الجديدة، أو سرقة خزينة إحدى الحافلات التي بلغت 57 مليون دينار، أو التغاضي عن ملفات الشهادات الطبية المزورة والترقيات غير المستحقة.
في الختام، يبدو أن تحديث قطاع النقل في تونس لا يقتصر على شراء حافلات جديدة، بل يتطلب ثورة حقيقية في العقلية الإدارية، وتطبيقاً صارماً للقانون، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في إهدار المال العام وتعطيل مصالح المواطنين. فبدون إصلاح جذري للنظام بأكمله، ستبقى الحافلات الجديدة مجرد واجهة لامعة تخفي وراءها نظاماً مهترئاً يرزح تحت وطأة الفساد والتسيب.