أخبار تونساخبار

‏‎فضيحة فساد مالي كبرى الاستيلاء على 500 مليار

مستثمرون تونسيون وأجانب يطلقون نداء استغاثة بعد تبخر مدخراتهم في “الشركة التونسية السعودية للاستثمار”، متهمين مسؤوليها بالتحيل والاستيلاء على أموالهم المقدرة بمئات الملايين من الدينارات.

عمل صحفي: خديجة يحياوي

تجد العشرات من العائلات التونسية والأجنبية نفسها اليوم في مواجهة كابوس لم تكن تتوقعه، بعد أن تبخرت “تحويشة العمر” ومدخرات تقدر قيمتها الإجمالية بأكثر من 500 مليون دينار (500 مليار مليم)، في قضية تحيل مالي واسعة النطاق تورطت فيها “الشركة التونسية السعودية للاستثمار” (TSI)، وهي مؤسسة مالية كانت تحظى بثقة المستثمرين نظراً لتاريخها الطويل وارتباطاتها الحكومية.

أمام مقر الشركة، تقف اليوم علامات الاستفهام والحسرة على وجوه الضحايا الذين وثقوا في وعود بتحقيق أرباح مضمونة من خلال استثمار أموالهم في البورصة التونسية، ليجدوا أنفسهم ضحايا لعملية معقدة من تحويل الأموال إلى شركات وهمية ومفلسة، بينما اختفى المسؤولون عن الشركة عن الأنظار.

وعود زائفة وخيوط عملية التحيل

وفقًا للشكوى الجزائية التي تقدم بها عدد من المتضررين، بدأت القصة باستدراجهم عبر وعود مغرية بتحقيق فوائد مالية مضمونة. وبناءً على هذه الوعود، قاموا بإيداع مبالغ مالية ضخمة تراوحت بين 100 ألف دينار ووصلت إلى 20 مليون دينار للشخص الواحد في حسابات جارية لدى المؤسسة. كان من المفترض أن تقوم “TSI”، بصفتها وسيطًا في البورصة، باستثمار هذه الأموال وفقًا للشروط القانونية.

إلا أن المستثمرين اكتشفوا مؤخرًا أن أموالهم لم تُستثمر في السوق المالية كما وُعدوا، بل تم تحويلها بشكل ممنهج لفائدة شركات وهمية وأخرى مفلسة، مما أدخل الشركة في أزمة سيولة حادة جعلتها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها وإعادة الأموال لأصحابها.

الفيديو:

صرخات الضحايا: “بعنا ديارنا ووضعنا ثقتنا في الدولة”

القصص الإنسانية خلف هذه الأرقام الضخمة تكشف عن حجم المأساة. السيد علي الجوادي، أحد المستثمرين، يؤكد أن ما شجعه على الاستثمار هو الطابع الرسمي للشركة التي تأسست منذ أكثر من 30 عامًا وتساهم فيها الدولة التونسية والسعودية بشكل غير مباشر عبر “البنك التونسي السعودي”.

يقول بحسرة: “حين تتوجه لشركة بهذا الحجم، يفترض أن تكون أموالك في حفظ وأمان. كل الإجراءات كانت قانونية، فتحوا لنا حسابات جارية، وكانوا يقتطعون 20% من الأرباح للجبابة. لم يكن هناك ما يثير الشك”. وأضاف: “استثمرت 3 ملايين دينار. هناك من باع عقاراته، وهناك من اقترض من البنوك. واليوم، اختفى رئيس مجلس الإدارة وأعضاؤه، ولا نجد مسؤولًا واحدًا يرد علينا”.

السيدة فادية العجيمي تروي قصتها بألم مماثل: “بعت داري في المرسى ووضعت أموالي في الشركة. في البداية استثمرت مليون دينار ثم استرجعت نصف المبلغ. وعندما عدت لاسترجاع الـ 500 ألف دينار المتبقية، قالوا لي: ‘اذهبي، ليس لدينا أموال’. منذ ستة أشهر وأموالنا محجوزة ولا نعرف إلى من نلتجئ”.

أما السيد فتحي بن لالج، البالغ من العمر 70 عامًا، فقد وضع في الشركة مدخرات حياته وأموال أبنائه العاملين في فرنسا. يقول: “هذه أموال تعب سنوات طويلة. وثقت فيهم لأن علم تونس مرفوع على مؤسستهم. لقد فقدنا الثقة في كل شيء. نريد من السلطات أن تتدخل، وإلا فإن مناخ الاستثمار في تونس قد انهار”.

غياب الرقابة ومسؤولون في حالة فرار

يطرح الضحايا سؤالًا جوهريًا: أين كانت الهيئات الرقابية طيلة سنوات من هذا العبث؟ يتساءل السيد الجوادي: “أين كانت هيئة السوق المالية؟ أين وزارة المالية والبنك المركزي؟ القانون ينص على أن هذه المؤسسات تخضع لرقابتهم. كيف لم ينتبه أحد لكل هذه التجاوزات؟”.

يزيد من تعقيد القضية أن عددًا كبيرًا من المسؤولين المتورطين في الشركة، وعلى رأسهم رئيسها المدير العام، هم اليوم في حالة فرار خارج البلاد، مما يجعل مهمة استرجاع الأموال شبه مستحيلة دون تدخل حازم من أعلى مستويات الدولة.

وفي محاولة من “الشروق” للحصول على توضيح من إدارة الشركة، جاء الرد بالرفض القاطع، حيث أفاد أحد الموظفين بأن المؤسسة تخضع حاليًا لإشراف مؤتمن عدلي، ولا يمكن لأي شخص الإدلاء بتصريحات.

بين غياب المسؤولين وصمت الهيئات الرسمية، يبقى عشرات المستثمرين معلقين، بعد أن تحولت أحلامهم بالاستثمار الآمن إلى كابوس سرق منهم أموالهم ووضع ثقتهم في المنظومة المالية على المحك، موجهين نداءهم الأخير إلى رئاسة الجمهورية والقضاء لإنصافهم ومحاسبة المتورطين في واحدة من أكبر فضائح الفساد المالي في تونس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى