أخبار تونساخبار

في عملية هروب وُصفت بأنها “الأخطر” في تاريخ المؤسسة السجنية التونسية، تمكّن خمسة سجناء مصنفين كعناصر إرهابية من الفرار من سجن المرناقية شديد التحصين، في حادثة لم تهزّ أركان وزارة العدل فحسب، بل أثارت زلزالًا سياسيًا وأمنيًا كشف عن اختراقات خطيرة وفساد متجذّر داخل إحدى أكثر المؤسسات حساسية في البلاد.


ليلة الهروب الكبير: تفاصيل عملية هزّت الرأي العام

فجر يوم 31 أكتوبر 2023، استيقظ التونسيون على خبر صادم: خمسة من أخطر العناصر الإرهابية المحتجزة في السجن المدني بالمرناقية نجحوا في تنفيذ عملية فرار غامضة ومحكمة. في الساعات الأولى، سادت حالة من الارتباك، حيث انتشرت روايات متضاربة حول كيفية تمكنهم من الخروج عبر شباك حديدي صغير، وهي فرضية بدت غير منطقية واستبعدها الخبراء سريعًا، مما عزز الشكوك حول وجود “يد خفية” سهّلت العملية من الداخل.

التحقيقات كشفت لاحقًا عن سيناريو أكثر تعقيدًا ودقة. ففي تمام الساعة 3:35 فجرًا، وبالتزامن مع تغيير نوبة الحراسة، تعطّلت كاميرات المراقبة بشكل مفاجئ. بعدها بدقائق، استغل الفارون ممر الصرف الصحي للانتقال من جناحهم إلى ساحة الصيانة، قبل أن يخرجوا من باب خارجي مخصص للمؤونة باستخدام مفتاح أصلي. لم يُطلق أي جرس إنذار، ولم تُرصد أي حركة مشبوهة، وكأن كل شيء كان مُعدًا سلفًا لضمان نجاح الخطة.

خيوط المؤامرة: تحقيق يكشف عن شبكة تواطؤ داخلية

لم تكن عملية الهروب مجرد ثغرة أمنية، بل كانت نتاج تخطيط دقيق وتواطؤ واضح من داخل المؤسسة السجنية. سرعان ما تحرك القطب القضائي لمكافحة الإرهاب والفرقة المركزية بالعوينة، حيث كشفت التحقيقات عن تورط شبكة من الأعوان والإطارات الذين سهّلوا العملية إما بالتغاضي أو بالمشاركة المباشرة.

شملت الأبحاث أكثر من أربعين شخصًا، بينهم المدير السابق للسجن، وعدد من الأعوان، ومسؤولون كبار في الإدارة العامة للاستعلامات. كما أظهرت التحقيقات دورًا محوريًا لزوجة أحد الإرهابيين الفارين، التي كانت حلقة الوصل بين زوجها والمتعاونين معه في الداخل عبر مكالمات هاتفية من رقم يعود لأحد أعوان السجون، مما يؤكد أن التنسيق للعملية كان يجري على قدم وساق قبل أيام من تنفيذها.

سباق مع الزمن: مطاردة أمنية ناجحة تُحبط مخططات الفارين

فور وقوع الحادثة، أعلنت السلطات حالة استنفار قصوى. انطلقت وحدات الأمن والحرس الوطني في عملية تمشيط واسعة النطاق في سباق مع الزمن لإلقاء القبض على الفارين قبل تمكنهم من تنفيذ أي مخططات إرهابية أو مغادرة البلاد. وبفضل اليقظة الأمنية والتنسيق المحكم، تمكنت القوات التونسية في وقت قياسي من تحديد أماكنهم والقبض عليهم جميعًا، بعد أن حاول بعضهم التسلل إلى المناطق الجبلية الحدودية.

الفيديو:

 

تداعيات الفضيحة: إقالات ومساءلة على أعلى المستويات

اعتبر الرأي العام والإعلام التونسي الحادثة “فضيحة دولة”، متسائلين عن مستوى الأمان في باقي السجون إذا كان “أحصنها” قد تم اختراقه بهذا الشكل. وفي مواجهة الغضب الشعبي، اتخذت السلطات قرارات حازمة وسريعة، حيث أصدرت وزيرة العدل ليلى جفال قرارًا بإعفاء مدير السجن وفتح تحقيق إداري معمّق. كما أعلنت وزارة الداخلية عن إنهاء مهام المدير العام للمصالح المختصة والمدير المركزي للاستعلامات العامة، في خطوة تهدف إلى تحميل المسؤوليات ومحاسبة كل من ثبت تورطه أو تقصيره.

القضية أمام القضاء: الأنظار تتجه نحو المحكمة

اليوم، القضية بكامل تفاصيلها أمام القضاء التونسي، حيث حددت الدائرة الجنائية المتخصصة في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس جلسة يوم 14 نوفمبر المقبل لمحاكمة المتهمين في هذه الشبكة المعقدة. وينتظر الرأي العام بفارغ الصبر نتائج المحاكمة التي من المتوقع أن تكشف عن المزيد من الأسرار وتجيب عن الأسئلة العالقة: من أمر؟ ومن خطط؟ ومن استفاد من هذه العملية التي كادت أن تعصف بأمن البلاد؟

لقد كانت حادثة المرناقية جرس إنذار مدوٍ أعاد طرح سؤال الثقة في مؤسسات الدولة، ودقّ ناقوس الخطر حول مدى تغلغل الفساد في الأجهزة الحساسة. لكنها في الوقت نفسه، أثبتت أن يقظة الأجهزة الأمنية وقدرة الدولة على كشف الحقيقة تظل صمام الأمان الأخير لحماية تونس من مؤامرات الداخل والخارج.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى