في عملية نوعية حجز كميات هامة من الأدوية مخفية داخل سيارة كانت بصدد تهريبها خارج تونس

تونس – في مداخلة له على قناة “تلفزة تي في”، أشاد مقدم برنامج “ديما لاباس” بالجهود الكبيرة التي تبذلها الديوانة التونسية، واصفاً عملهم بأنه “يمنع كوارث حقيقية في تونس”. وجاء هذا الثناء في سياق الحديث مع العميد شكري الجبري، الناطق الرسمي باسم الديوانة التونسية، الذي كشف عن تفاصيل عمليتين أمنيتين بارزتين.
العملية الأولى، التي وصفت بـ”المرعبة والقياسية”، تمثلت في إحباط محاولة تهريب نصف طن (572 كيلوغراماً) من مخدر القنب الهندي (الزطلة) عبر ميناء رادس. وأوضح العميد الجبري أن هذه الكمية الضخمة تم إخفاؤها بإتقان شديد في مخبأ مهيأ أسفل مقطورة شاحنة قادمة للاستيراد. وقال: “بفضل فطنة ضابط جهاز الكشف بالأشعة، الذي اشتبه في أجسام غير عادية، تم الاستعانة بفرقة الأنياب (الكلاب البوليسية) التي أكدت وجود المخدرات، مما استدعى تفكيك المقطورة بالكامل للكشف عن المخبأ السري”. وأكد أن هذا الرقم يعد تاريخياً، حتى أن “دولاً عظمى لم تتمكن من تحقيق مثله”.
الفيديو:
في عملية نوعية حجز أكثر من 1200 علبة أدوية لأمراض مزمنة وأمراض قلب بصدد تهريبها خارج تونس من معبر الذهيبة.. التفاصيل مع العميد شكري الجبري
لكن الإنجاز الأكثر ارتباطاً بمعاناة المواطنين اليومية كان عملية أخرى ناجحة في معبر الذهيبة الحدودي. حيث أحبطت فرق الديوانة محاولة تهريب 1200 علبة دواء، معظمها مخصص للأمراض المزمنة كالقلب وضغط الدم والسكري. وأشار العميد الجبري إلى أن هذه ليست المرة الأولى، فقد تم حجز 1000 علبة أخرى في يوليو الماضي.
وعلّق مقدم البرنامج على هذه العملية قائلاً: “هناك أدوية حساسة ورخيصة في تونس تباع بـ 3 أو 4 دنانير، لكن المواطن لا يجدها، بينما يقوم المهربون بإخراجها لبيعها بأسعار مضاعفة في دول مجاورة، متسببين في معاناة قد تصل إلى الموت”.
من الشارع: صرخات اليأس في مواجهة النقص
على بعد أميال من قاعات المؤتمرات الصحفية واستوديوهات التلفزيون، يعيش المواطن التونسي قصة مختلفة، قصة بحث مضنٍ وألم مكتوم. ففي الوقت الذي تحتفي فيه السلطات بإنجازاتها، يواجه مواطن آخر حقيقة مرة، حيث يبحث دون جدوى عن دواء لوالدته المريضة.
“لو أعرف مستودع المهربين لذهبت إليه مباشرة، لربما أعطوه لي مجاناً!”، بهذه الكلمات الممزوجة بالسخرية والغضب، يلخص هذا المواطن حجم اليأس الذي وصل إليه. ويضيف: “ندخل إلى المستشفى لزيارة مريض، فيعطوننا وصفة طبية لشراء كل شيء، حتى الشاش الطبي. لا يوجد شيء!”. بالنسبة له، فإن المواطن البسيط هو من يدفع فاتورة هذا الإهمال والفساد.
الفيديو:
الدولة تشتري الدواء بمئات المليارات والكناطرية يهربونه نحو الخارج
شهادة هذا المواطن ليست معزولة. فسيدة أخرى، ترتدي الحجاب، تؤكد أن نقص الأدوية، خاصة تلك المخصصة للأمراض المزمنة، أصبح ظاهرة خطيرة. تقول: “الأدوية لم تعد متوفرة في المستوصفات حيث من المفترض أن تكون مجانية. مرضى السكري والضغط يعانون”. وتوجه رسالة قوية للمهربين: “اتقوا الله، أنتم تضرون أهاليكم وبلدكم… أنتم مجرمون”. وترى أن الأزمة لم تعد تقتصر على الدواء، بل امتدت لتشمل ضروريات الحياة، مما يزيد من صعوبة الوضع.
من يدفع الثمن؟
تطرح هذه الشهادات المتناقضة سؤالاً ملحاً: ما فائدة الإنجازات الأمنية إذا كان المواطن لا يزال محروماً من أبسط حقوقه في العلاج؟ إن حجز 1200 علبة دواء على الحدود هو نجاح كبير، لكنه في الوقت ذاته دليل دامغ على أن آلافاً أخرى قد عبرت بالفعل، تاركة وراءها مرضى بلا دواء وعائلات في مواجهة المجهول.
ويبقى المواطن التونسي، وخاصة الفئات الهشة من كبار السن وذوي الدخل المحدود، هو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة الصعبة، يدفع ثمن جشع المهربين من صحته، وأحياناً من حياته.