القائمة الرئيسية

الصفحات

الأخبار[LastPost]

من أين يأتي المنقلب بقوّته؟


من أين يأتي المنقلب بقوّته؟


لمّا قال الغنّوشي (( الجيش مش مضمون والأمن مش مضمون)) هوجم كما لم يهاجَم من السياسيين أحد وأدين كأنّه يطلب الضمان لنفسه ولحركته لا للديمقراطية التي تنشدها البلاد قاطبة.. وبعد عشر سنوات من الثورة قام بالبلاد انقلاب عصف بالديمقراطية التونسيّة الناشئة وعبث بأشواق أجيال من التونسيين حلموا لوطنهم بنظام ديمقراطيّ يخرجه من نفق الاستبداد ويلحقه بالبلاد المتقدّمة...


وقد مرّ،الآن، على هذا الانقلاب أكثر من ثمانية أشهر .. 

فمن الذي دعمه؟

ومن بقي معه؟

يبدو أنّ جميع هؤلاء الذين ناصروا الانقلاب، عند قيامه، قد انفضّوا من حوله ولم يبق مع المنقلب سوى بعض الدروايش تحت حراسة لا مشروطة من هيكل المكّي وليلى الحدّاد ومن سار على نهجهما من حزب قوميّ تائه لا لون له ولا طعم ولا رائحة مع بعض وجوه الوطد العالقين بالمؤسّسة النقابيّة يرضعونها حزبهم الذي لا يكبر.. لقد بات المنقلب أعزل من الشعب حتّى إذا ما أوحى إلى أنصاره الباقين بأن ينفروا لنصرته في معركة من معاركه الجوفاء لم يخرج منهم غير عشرة أنفار يزيدون أو ينقصون.


 فمن أين يستمدّ المنقلب قوّته ؟


المنقلب لا قوّة له، ولكنّه يستقوي على الشعب وعلى الدولة ومؤسساتها وعلى الديمقراطية وأنصارها بالجهازين اللذين يحتكران سلاح الدولة، وهما الجهاز الأمني والجهاز العسكريّ.. بهما تحصّن ليمضيَ في انقلابه مسنودا، في أوّل أمره، بجمهرة من الأنصار أغليهم من خصوم حركة النهضة الراغبين في إخراجها من المشهد السايسيّ.. وبهما يستقوي بعد أن بقي وحده. 


ثمانية أشهر كانت كافية لتعرية المنقلب وكشف قصوره وبيان تهافته وفضح عجزه عن حلّ مشكل واحد من مشاكل البلاد العالقة.. بل لقد تراكمت المشاكل في عهده حتى بات البلد في مهبّ الريح واختفت أبسط المواد الأساسيّة الضامنة لاستمرار الناس على قيد الحياة.. بسبب هذا العجز المكشوف تراجع أغلب أنصار المنقلب الذين شجّعوه أوّل مرّة وانقلبوا عليه وقال بعضهم فيه ما لم يقله خصومه الأوائل.. 


فمن بقي داعمًا للمنقلب إذن؟


المنقلب مدعوم لا يَدْعَمُ.. مستطيع بغيره لا بنفسه، لا يملك أمرا ولا يستطيع شيئا.. حتّى الكلام لم يعد قادرا عليه بعد أن أفرغ جراب الكلمات التي لا يملك غير تكراراها كلّما ظهر هائجا.. ويبدو أن لا أحد بقي في صفّه سوى،القوات الحاملة للسلاح منها يستمدّ قوته ويتظاهر على الشعب والدولة ومؤسساتها يغلق بعضها بدبّابة كما لم يفعل حاكمٌ في التاريخ.


اليوم يمضي المنقلب في مشروعه التخريبي ويحمل التونسيين على التحارب عندما يحاول ضرب المؤسسة التشريعية بالمؤسسة القضائية وليس معه سوى المؤسستين المحتكرتين لسلاح الدولة وأسباب عنفها الشرعيّ التي تبتاعها من جيوب مواطنيها الذين يدفعون لها الضرائب لتحميَهم وتحفظ مناعتهم.


قبل الانقلاب أضرب المنقلب عن العمل ولم يفعل شيئا يُذكر، بل صرف كلّ همّه إلى استدراج القوات المسلحة مدنيّها وعسكريّها بفرض فهمه عليها وعلى الجميع بأنّه قائدها جميعها في تأويل فاسد لنص الدستور.. وقد كان واضحا لكلّ ذي فهم أن من يتهافت على الأسلحة يكدّسها إنّما يعدّ نفسه ليشنّ حربا.. ولقد أعلن المنقلب الحرب على الشعب والدولة ومؤسساتها يوم 25 جويلية 2021 باستعمال أسلحة الدولة التي استولى عليها بمنطوق الدستور وما لوى من عنقه... 


 لقد أنجز هذان الجهازان للمنقلب انقلابه ولا يزالان في صفّه حتّى بعد أن انفضّ أنصاره من حوله وبعد أن أظهر فشلا ذريعا في حماية الدولة ومضى بعيدا في تخريب مؤسساتها وإهدار مقدّراتها...


ومردّ ذلك في فهمي إلى سبب من اثنين:


- إذا أحسنّا الظنّ قلنا إنّ عقيدة تلك الأجهزة تقوم على الطاعة والامتثال، لذلك لم تكلّف نفسها عناء الاجتهاد ومضت في تنفيذ أوامر قائدها الأعلى انضباطا لعقيدتها الراسخة في الدولة التونسيّة.


- أمّا إذا أسأنا الظن، ولا نرجو أن نسيء الظنّ فيها، قلنا إنّ تلك الأجهزة لا تقبل بالديمقراطية ولا ترتاح إلى نظام يحترم الحريات يحاصرها في مربّعات بعينها ويخضعها للمساءلة متى استوجب الأمر مساءلتها.. وحده الدكتاتور يرسل أيادي مسلّحي الدولة ترتع في البلاد كما تشاء ما دام يستعملها في حمايته وحراسة نظامه.


إذا سلّمنا بالفرضية الثانية ظهر لنا صدق ما ذهب إليه الغنّوشي الذي يعي جيّدا أنّ الحرية هي الوصفة السحرية لكل شعب طلب الارتقاء بنفسه واللحاق بما بلغته الشعوب الحرة في العالم.. إذا ضمنت الحرية نصرة القوات المسلحة تخلّصت الدولة من جميع أعطابها ولو بعد حين.. أمّا إذا كانت تلك القوات في غير صفّ الحريات والأحرار عادت الدولة إلى نفق الاستبداد والاستبدادُ ظلام حالك لا أمل معه في النور.


سؤال واحد نسأله عقلاء بلادنا جميعهم:


تحرّك المقلب في 25 جويلية 2021 سمّاه إجراءات استثنائيّة:

أليس أنّ الإجراء الاستثنائي عمل يُنَجَز لحلّ مشكل مستعصٍ؟

دلّونا على عمل واحد أجراه المنقلب.

دلّونا على مشكل واحد حلّه أو بدأ في حلّه.

ألم تكن البلاد أهون حالًا من حالها تحت الانقلاب؟