اختفاء 300 مليار مخصصة لدعم اللحوم الحمراء..

تونس – تشهد أسواق اللحوم الحمراء في تونس ارتفاعًا غير مسبوق في الأسعار، حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد من لحم العجل إلى 43.5 دينارًا، ولحم “العلوش” (الخروف) إلى ما يقارب 60 دينارًا، وهو ما أثار استياء المواطنين ومهنيي القطاع على حد سواء. وفي تحقيق ميداني لبرنامج “بلا قناع”، كشف قصابون ومهنيون عن عمق الأزمة التي تعود جذورها إلى سنوات من السياسات الحكومية التي وصفوها بـ”الفاشلة”.
أزمة هيكلية عمرها سبع سنوات
في قلب أحد الأسواق، أكد مراسل البرنامج أن الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكمات على مدار سبع سنوات. وأوضح أن تونس تعاني من نقص حاد في قطيع المواشي، خاصة الأغنام والأبقار، مما أدى إلى تراجع الإنتاج المحلي بشكل كارثي. وقال: “نتحدث اليوم إلى وزارتي الفلاحة والتجارة. منذ سبع سنوات ونحن نعاني من نقص فادح في المواشي، سواء في العلوش أو في أمهات النعاج”.
300 مليار من الدعم.. في جيوب من ذهبت؟
لم تقتصر الأزمة على سوء التخطيط فحسب، بل امتدت لتشمل اتهامات خطيرة بسوء إدارة وتوجيه الدعم المالي المخصص للقطاع. فجر المراسل مفاجأة من العيار الثقيل عندما كشف عن وجود دعم بقيمة 300 مليار دينار تونسي يُفترض أن يذهب لصغار الفلاحين لتعزيز الإنتاج وتخفيض التكلفة، لكنه في الواقع يذهب إلى وجهة أخرى.
وصرح قائلًا: “أتحدث عن دعم بقيمة 300 مليار يذهب إلى البارونات وبعض الموردين بعينهم، بدلاً من أن يصل إلى صغار الفلاحين”. هذا الاتهام يطرح تساؤلات جدية حول آلية توزيع الدعم وغياب الرقابة والمحاسبة، حيث يبدو أن الأموال المخصصة لتحقيق استقرار السوق تساهم، بدلاً من ذلك، في تعزيز نفوذ فئة قليلة على حساب المنتج والمستهلك.
الفيديو:
اختفاء 300 مليار مخصصة لدعم اللحوم الحمراء..في جيوب من ذهبت؟
حلول مقترحة في مواجهة “السياسات الترقيعية”
طرح المهنيون حلولًا عملية لمعالجة الأزمة من جذورها، منتقدين ما أسموه “الحلول الترقيعية” التي تكتفي بها السلطات. وتضمنت المقترحات:
-
استيراد أمهات النعاج والأبقار: دعوة وزارة الفلاحة إلى استيراد سلالات جيدة وتوزيعها على صغار الفلاحين بتمويل من البنوك الوطنية، مع منع بيعها لسنوات لضمان تجديد القطيع.
-
خطة طويلة الأمد: الانتظار لمدة تتراوح بين 3 إلى 4 سنوات حتى يتعافى القطيع المحلي ويعود الإنتاج لمستوياته الطبيعية، مما سيؤدي حتمًا إلى انخفاض الأسعار.
-
دعم الفلاح الصغير: إعادة الثقة للفلاح التونسي وتشجيعه على العودة إلى تربية المواشي، بدلاً من ترك القطاع فريسة لـ”لوبيات التوريد”.
اتهامات بالإهمال وصراع على الكراسي
لم يتردد المتحدثون في توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى المسؤولين المتعاقبين على وزارة الفلاحة، مؤكدين أن سياساتهم أدت إلى اختفاء القطيع التونسي. كما وجهوا نقدًا لاذعًا لاتحاد الفلاحين الذي، بحسب قولهم، انشغل بالصراعات الداخلية على المناصب والكراسي بدلاً من الدفاع عن مشاكل الفلاحين الحقيقية.
صرخة مواطن وقصاب: إلى متى؟
في ختام التحقيق، تجلت الصورة القاتمة لمعاناة المواطن الذي أصبح يبحث عن بدائل رخيصة، قد تكون غير صحية، لتوفير لقمة العيش لأبنائه. وطرح المراسل تساؤلًا حارقًا: “إلى متى ستستمر الحلول الترقيعية؟ وإلى متى سيظل المواطن البسيط يدفع ثمن سياسات فاشلة أضاعت ثروة البلاد الحيوانية؟”.