ألاف المديرين العامين و كبار المسؤولين بوزارات هامة يتمتعون بمرتبات و إمتيازات خيالية وهم بدون عمل

تونس العاصمة – عاد برنامج “فقط اسمع وشوف” الذي يقدمه الإعلامي محمد البوزيدي، ليطرق بقوة ملف “الإطارات المجمدة” أو ما بات يعرف بـ”إطارات الثلاجة” في تونس، وهي قضية شائكة تكشف عن هدر مالي وإداري كبير في مؤسسات الدولة. خلال حلقة نقاشية حادة، شارك فيها المحلل معز بالحاج وآخرون، تم تسليط الضوء على حجم هذه الظاهرة المقلقة وتداعياتها على الاقتصاد الوطني وثقة المواطن.
افتتح البوزيدي النقاش بالإشارة إلى أن “عدداً غير معلوم من المديرين العامين والإطارات العليا للدولة التونسية موجودون في الفريكو، يتلقون رواتب وامتيازات وسيارات وهم في بطالة قسرية في منازلهم، ما يكلف الدولة المليارات”. وتساءل البوزيدي عن الجهة التي تتحمل مسؤولية هذا الوضع، خاصة وأن العديد من الكفاءات الشابة والخريجين يعانون من البطالة.
أكد ضيف البرنامج، معز بالحاج، أن هذه الظاهرة ليست مقتصرة على وزارة بعينها، بل هي “جيوش من قدماء المديرين والمديرين العامين في كل الوزارات تم تجميدهم لأسباب مختلفة”. وأشار بالحاج بشكل خاص إلى وزارة الداخلية التي قال إنها تضم “أزيد من 3000 من كبار القيادات العليا مجمدة دون عمل”. وفسر بالحاج أسباب هذا “التجميد” إما بـ”مسائل تأديبية أو إدارية، أو نتيجة تغيير القيادات التي تسعى لتعيين مقربين منها، أو ببساطة لأن الخط الإداري الجديد للوزارة يسير في اتجاه آخر”، معتبراً أن “الإدارة هي التي تقتل موظفيها” بهذه الممارسات.
من جانبه، انتقد المحلل أسامة (الخليفي على الأرجح، بناءً على طبيعة مداخلاته في برامج مشابهة) ما وصفه بـ”أخلاقيات الإدارة ونظام الولاءات”، حيث يتم إبعاد الكفاءات الوطنية النزيهة لصالح أشخاص “راضين عنهم” أو “قابلين للتطويع”، حتى لو كانوا أقل كفاءة. وتساءل الخليفي: “هل أنت وطني، نزيه، نظيف، تخدم بالقانون، تهمك المصلحة العامة ومصلحة الشعب والراية الوطنية؟ إذن أنت غير مرحب بك… خذ وظيفتك واسكت على روحك!”. وأضاف أن “الإدارة أغرقت” بعد 2011 بـ”شهادات مضروبة” و”العفو التشريعي العام الذي يعتبر جريمة في حق الدولة والشعب التونسي”. ودعا الخليفي رئيس الجمهورية إلى “النظر في محيطه” والبحث عن “الإطارات الوطنية الكفؤة والمخلصة للوطن الموجودة في الفريكو” والتي “تعرف دواليب الإدارة وقادرة على إصلاح البلاد”، محذراً من أن “ليست كل الشكاوى والعرائض والملفات تصل للسيد الرئيس أو حتى للمستشارين”.
الإعلامية حذامي، وهي ضيفة أخرى في البرنامج، طرحت تساؤلاً جوهرياً حول مصير الإطارات التي يشتبه في فسادها وتوضع “في الثلاجة”: “إذا كانوا فاسدين، لماذا يوضعون في الفريكو ويستمرون في تقاضي رواتبهم بدلاً من إحالتهم على القضاء ومحاسبتهم؟”.
وتطرق النقاش أيضاً إلى قضية “التقاعد الملكي” كما وصفها البوزيدي، حيث أشار بالحاج إلى أن مسؤولين كبار، مثل الوزراء، يخدمون لفترات قصيرة (مثلاً عامين) ثم يحصلون على تقاعد كامل من الصناديق الاجتماعية كما لو أنهم خدموا 40 عاماً، مستشهداً بحالة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي، رغم كونه محامياً وليس موظفاً عمومياً، حصلت عائلته بعد وفاته على “9 مليارات من المليمات التونسية كتعويض منحة وفاة” بفضل خدمته الرئاسية، وهو ما اعتبره قانوناً “فاسداً” يعود لعهد بن علي.
واختتم البوزيدي بالتأكيد على أن هذه الممارسات، من “إطارات الثلاجة” إلى الامتيازات غير المبررة، تمثل استنزافاً لمقدرات الدولة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد. وأشار إلى أن بعض هذه الإطارات “المجمدة”، والمطلوبة للعدالة أحياناً، تستغل رواتبها الممولة من “أموال الشعب” لـ”تمويل صفحات سبونسوريزي (مدفوعة) لشتم الدولة والتآمر على الوطن”، ما يضاعف من سخط المواطنين ويفاقم أزمة الثقة في مؤسسات الدولة.
يبقى السؤال الأكبر معلقاً: إلى متى ستستمر الدولة التونسية في دفع رواتب وامتيازات لآلاف الإطارات “المجمدة” بينما تعاني من عجز في الموارد وتكدس في الكفاءات الشابة المعطلة؟ وهل ستتحرك الجهات المعنية فعلاً لتطهير الإدارة واستغلال كفاءاتها الوطنية بدلاً من تركها “في الثلاجة”؟