بالفيديو.. اعلامي تونسي معروف يكشف بالوثائق الرسمية عن معلونا خطيرة ضد راشد الغنوشي و حركة النهضة

تونس – في مفارقة لافتة تعكس تعقيدات المشهد السياسي التونسي وتحولاته، أعاد نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تداول مقطع فيديو قديم للإعلامي محمد بوغلاب يوجه فيه اتهامات حادة لحركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي، واصفاً إياهم بـ”الخطيئة الأصلية” والمسؤولين عن أزمات البلاد. المفارقة تكمن في أن هذا التداول يأتي في وقت كانت فيه حركة النهضة من أوائل الأحزاب السياسية التي أصدرت بيانات تضامن قوية مع بوغلاب عقب إيقافه مؤخراً.
“الذاكرة الحية”: استحضار اتهامات الماضي
الفيديو:
في المقطع المتداول، والذي يعود إلى فترة سابقة، يظهر بوغلاب وهو يستعرض بالأرقام ما اعتبره سيطرة حركة النهضة على مفاصل الدولة من خلال الحكومات المتعاقبة منذ 2011، نافياً ادعاء الحركة بأنها لم تحكم. واتهمها بوغلاب بالوقوف وراء “تغلغل” آلاف الموالين لها في الإدارة عبر بوابة “العفو التشريعي العام”، مؤكداً أن الحركة كانت الحاكم الفعلي من وراء ستار.
وقد استخدم النشطاء هذا الفيديو لتسليط الضوء على الماضي القريب وتذكير الرأي العام بحدة الخصومة التي كانت قائمة بين الإعلامي والحركة الإسلامية، مما يجعل موقف النهضة الحالي أكثر إثارة للدهشة والتحليل.
تحول لافت: النهضة في مقدمة المدافعين
على النقيض تماماً من محتوى الفيديو، سارعت حركة النهضة، فور الإعلان عن إيقاف محمد بوغلاب، إلى إصدار بيان تضامن، دانت فيه ما اعتبرته “استهدافاً ممنهجاً لحرية الصحافة والتعبير” و”تضييقاً على الأصوات الناقدة”. وأكدت الحركة في بيانها على ضرورة احترام الإجراءات القانونية والدفاع عن المبادئ الديمقراطية، بغض النظر عن أي خلافات سياسية أو فكرية سابقة.
هذا الموقف المتقدم من النهضة لم يمر مرور الكرام، حيث أثار موجة واسعة من التعليقات والتحليلات التي تراوحت بين الإشادة بـ”النضج السياسي” للحركة، وبين اعتباره “براغماتية سياسية” تمليها ضرورات المرحلة.
ما بين المبادئ والسياسة: قراءة في موقف النهضة
يرى مراقبون أن موقف النهضة الداعم لبوغلاب يمكن قراءته من عدة زوايا:
-
دفاع مبدئي عن الحريات: يرى هذا الفريق أن الحركة تتبنى موقفاً مبدئياً يتمثل في أن الدفاع عن حرية التعبير هو أساس أي نظام ديمقراطي، وأن استهداف الصحفيين اليوم، حتى لو كانوا من الخصوم، يمثل سابقة خطيرة قد تطال الجميع غداً.
-
توحيد صفوف المعارضة: في ظل المناخ السياسي الحالي، تجد النهضة نفسها في خندق المعارضة إلى جانب أطياف سياسية ومدنية مختلفة. ومن خلال دعمها لبوغلاب، تبعث برسالة مفادها أن الخصم المشترك الآن هو “منظومة الحكم الحالية”، وأن الخلافات السابقة يمكن تجاوزها لمواجهة ما تعتبره “تراجعاً عن المسار الديمقراطي”.
-
براغماتية سياسية: يعتبر فريق آخر أن الموقف هو خطوة سياسية ذكية تهدف إلى تحسين صورة الحركة وإظهارها كقوة سياسية ناضجة تتجاوز الحسابات الشخصية من أجل المصلحة العامة، وهو ما قد يساعدها على استعادة جزء من شعبيتها.
في المحصلة، يعكس هذا المشهد المتناقض حالة السيولة التي تعيشها الساحة السياسية في تونس، حيث يمكن للخصوم أن يصبحوا حلفاء ظرفيين، وتطغى ضرورات الواقع على مرارات الماضي، ليبقى السؤال الأبرز لدى المتابعين: هل هو تحول حقيقي في القناعات أم مجرد تكتيك تفرضه المرحلة؟

